فصل: تفسير الآية رقم (93):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (84):

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}
{فَقَاتِلْ}
(84)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُبَاشِرَ القِتَالَ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ نَكَلَ فَلَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ مِنْهُ شَيءٌ، كَمَا يَأمُرُهُ بِأَنْ يُحَرِّضَ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ، وَيُرَغِّبَهُمْ فِيهِ، وَيُشَجِّعَهُمْ عَلَيهِ، لِتَنْبَعِثَ هِمَمُهُمْ عَلَى مُنَاجَزَةِ الأَعْدَاءِ، وَمُدَافَعَتِهِمْ عَنْ حَوْزَةِ الإِسْلامِ وَأَهْلَهُ، وَمُقَاوَمَتِهِمْ وَمُصَابَرَتِهِمْ، وَبِذَلِكَ يَكُفُّ اللهُ بَأْسَ المُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمْ عَنِ المُسْلِمِينَ، وَاللهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ البَأْسِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَكِّلَ بِهِمْ فِي الدُّنيا وَالآخَرَةِ.
البَأْسُ- القُوَّةُ وَالحَرْبُ.
التَّنْكِيلُ- مُعَاقَبَةُ المُجْرِمِ بِمَا يَكُونُ فِيهِ عِبْرَةٌ لِغَيْرِهِ، فَيَنْكِلُ عَنِ الإِقْدَامِ عَلَى ارْتِكَابِ الجَرَائِمِ.

.تفسير الآية رقم (85):

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}
{شَفَاعَةً}
(85)- مَنْ سَعَى فِي أَمْرٍ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ خَيْرٌ، كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الخَيْرِ، وَمَنْ أَيَّدَكَ وَنَاصَرَكَ فِي القِتَالِ، وَجَعَلَ نَفْسَهُ شَفِيعاً وَسَنداً لَكَ، كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ نَتَائِجِ الظَّفَرِ فِي الدُّنْيَا، وَالثَّوَابَ فِي الآخِرَةِ. وَمَنْ سَعَى فِي أَمْرٍ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ سُوءٌ وَإِثْمٌ وَمَضَرَّةٌ، كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنِ انْضَمَّ إلى أَعْدَائِكَ فَقَاتَلَ مَعَهُمْ، أَوْ خَذَلَ المُسْلِمِينَ فِي قِتَالِهِمْ، كَانَ لَهْ نَصِيبٌ مِنْ سُوءِ العَاقِبَةِ، بِمَا يَنَالُهُ مِنَ الخِذْلانِ فِي الدُّنْيَا، وَالعِقَابِ فِي الآخِرَةِ، وَهَذِهِ هِيَ الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ لأَنَّهَا إِعَانَةٌ عَلَى السُوءِ. وَاللهُ حَفِيظٌ وَشَاهِدٌ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ، وَقَادِرٌ عَلَى فِعْلِ كُلِّ شَيْءٍ يُرِيدُهُ.
مُقيتاً- مُقْتَدِراً أَوْ حَفِيظاً.
كِفْلٌ مِنْهَا- نَصِيبٌ أَوْ حَظٌّ مِنْ وِزْرِهَا.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)}
(86)- وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ، فَرُدُّوا السَّلامَ عَلَيْهِ بِأَفْضَلَ مِنْهُ، أَوْ رُدُّوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ (فََإِذَا قَالَ لَكُمْ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَرُدُّوا عَلَيهِ قَائِلِينَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلامَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ). فَالزِّيَادَةُ مَنْدُوبَةٌ، وَالمُمَاثَلَةُ مَفْرُوضَةٌ.
(وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: السَّلامُ تَطَوُّعٌ، وَالرَّدُّ فَرِيضَةٌ).
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرِ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ».
وَاللهُ مُحَاسِبٌ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ، وَاللهُ تَعَالَى رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ فِي مُرَاعَاةِ الصِّلَةِ بَيْنَكُمْ بِالتَّحِيَّةِ، وَيُحَاسِبُكُمْ عَلَى ذَلِكَ.
حَسِيباً- مُحَاسِباً وَمُجَازِيا وَشَهِيداً.

.تفسير الآية رقم (87):

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)}
{يَوْمِ القيامة}
(87)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَنْ تَفَرُّدِهِ بِالأُلُوهِيَّةِ لَجَميعِ المَخْلُوقَاتِ، وَأنَّهُ سَيَجْمَعُ النَّاسَ جَمِيعاً (وَقَدْ أَقْسَمَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ) فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُجَازِي كُلا عَلَى عَمَلِهِ، وَلا أَحَدَ أَصْدَقُ حَدِيثاً مِنَ اللهِ، وَلا أَصْدَقُ وَعْداً وَوَعِيداً وَخَبَراً مِنْهُ، فَلا إِلهَ إلا هُوَ، وَلا رَبَّ سِوَاهُ.

.تفسير الآية رقم (88):

{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)}
{المنافقين}
(88)- فَمَا لَكُمْ أَصْبَحْتُمْ فِئَتَينِ فِي المُنَافِقِينَ، وَاخْتَلَفْتُمْ فِي كُفْرِهِمْ، مَعَ تَظَاهُرِ الأَدِلَّةِ عَلَيهِ، فَلَيْسَ لَكُمْ أنْ تَخْتَلِفُوا فِي شَأنِهِمْ، وَكَيْفَ تَفْتَرِقُونَ فِي شَأنِهِمْ وَقَدْ صَرَفَهُمُ اللهُ عَنِ الحَقِّ الذِي أَنْتُمْ عَلَيهِ، بِمَا كَسَبُوا مِنْ أَعْمَالِ الشِّرْكِ، وَاجْتَرَحُوا مِنَ المَعَاصِي، وَقَدْ أَرْكَسَهُمُ اللهُ، وَجَعَلَهُمْ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ نَاكِسي الرُّؤُوس، بِسَبَبِ إيغَالِهِمْ فِي الضَّلالِ، وَبُعْدِهُمْ عَنِ الحَقِّ؟ وَأَنْتُمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَيْسَ بِاسْتِطَاعَتِكُمْ أنْ تُبَدِّلُوا سُنَنَ اللهِ، لأنَّ مَنْ قَضَتْ سُنَنُ اللهِ فِي خَلْقِهِ أنْ يَكُونَ ضَالاً عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ، فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ بِسُلُوكِهَا إلى الحَقِّ.
وَسَبيلُ الفِطْرَةِ أنْ يَعرضَ الإِنْسَانُ جَميعَ أَعْمَالِهِ عَلَى سُنَنِ العَقْلِ، وَيَتْبَعَ مَا يَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُ الحَقِّ الذِي فِيهِ مَنْفَعَتُهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنيا. وَأكْثَرُ مَا يَصُدُّ الإِنْسَانَ عَنْ سَبيلِ الفِطْرَةِ هُوَ التَّقْلِيدُ وَالغُرُورُ وَظَنُّ الإِنسانِ أنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَا هُوَ أكْمَلُ مِمَّا هُوَ فِيهِ، وَبِهَذَا يَقْطَعُ عَلَى نَفْسِهِ طَريقَ العَقْلِ وَالنَّظَرِ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ، وَالحَقِّ وَالبَاطِلِ.
الرَّكْسُ- إرْجَاعُ الشَّيءِ مَنْكُوساً عَلَى رَأسِهِ، أوْ مُتَحوِّلاً مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ أرْدَأَ.

.تفسير الآية رقم (89):

{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89)}
(89)- وَهَؤُلاءِ لا يَقْنَعُونَ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَالغِوَايةِ، بَلْ يَطْمَعُونَ فِي أنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ، وَهُمْ يَوَدُّونَ لَكُمُ الضَّلالَةَ لِتَسْتَوُوا أَنْتُمْ وَإِيَّاهُمْ فِيهَا، وَمَا ذَلِكَ إلا لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ وَبُغْضِهِمْ لَكُمْ، فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ وَنُصَرَاءَ وَأَصَدِقاءَ، حَتَّى يُؤْمِنُوا وَيُهَاجِرُوا إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، لِيُثْبِتُوا صِدْقَ إِيمَانِهِمْ، فَإِنْ رَفَضُوا الهِجْرَةَ (تَولَّوا) وَلَزِمُوا مَوَاضِعَهُمْ، وَأَظْهَرُوا كُفْرَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَلا تُوَالُوهُمْ، وَلا تَسْتَنْصِرُوا بِهِمْ عَلَى عَدُوّ لَكُمْ مَا دَامُوا كَذَلِكَ.

.تفسير الآية رقم (90):

{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)}
{مِّيثَاقٌ} {يُقَاتِلُوكُمْ} {أَوْ يُقَاتِلُواْ} {فَلَقَاتَلُوكُمْ}
(90)- اسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى مِنْ هَؤُلاءِ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ الذِينَ أَوْجَبَ قَتْلَهُمْ، حَيْثُ وَجَدَهُمُ المُسْلِمُونَ، الذِينَ لَجَؤُوا وَانْحَازُوا إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقُ مُهَادَنَةٍ، أَوْ عَقْدُ ذِمَّةٍ يَمْنَعُ قَتْلَ المُنْتَمِينَ لأحَدِ الفَرِيقَيْنِ، فَاجْعَلُوا حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ هَؤُلاءِ. وَاستَثْنَى اللهُ تَعَالَى مِنَ القَتْلِ فِئَةً أُخْرَى مِنَ النَّاسِ جَاءَتْ إلى مَيْدَانِ الحَرْبِ وَصُدُورُهُمْ ضَيِّقَةٌ، وَهُمْ كَارِهُونَ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ، وَلا يَهُونُ عَلَيْهِمْ أَيْضاً أَنْ يُقَاتِلوا قَوْمَهُمْ مَعَكُمْ، بَلْ هُمْ لا لَكُمْ وَلا عَلَيْكُمْ، وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِكُمْ أَنْ كَفَّهُمْ عَنْكُمْ، فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ، وَأَرَادُوا مُسَالَمَتَكُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تُقَاتِلُوهُمْ، مَا دَامَتْ حَالُهُمْ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الرَّازِي: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَادَعَ وَقْتَ خُرُوجِهِ إلى مَكَّةَ هِلالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ الأَسْلَمِيِّ عَلَى ألا يُعِينَهُ وَلا يُعِينَ عَلَيهِ، وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَلَ إلى هِلالٍ وَلَجأ إليهِ فَلَهُ مِنَ الجِوَارِ مِثْلُ مَا لِهِلالٍ.
وَهَؤُلاءِ كَالجَمَاعَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ الذِينَ خَرَجُوا يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ قُرَيشٍ فَحَضَرُوا القِتَالَ وَهُمْ كَارِهُونَ، لِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ عَنْ قَتْلِ العِبَّاسِ، وَأَمَرَ بِأسْرِهِ.
حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ- ضَاقَتْ وَانْقَبَضَتْ.
السَّلَمَ- الاسْتِسْلامَ وَالانْقِيَادَ لِلصُّلْحِ.

.تفسير الآية رقم (91):

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}
{آخَرِينَ} {كُلَّ مَا} {وأولئكم} {سُلْطَاناً}
(91)- وَهُنَاكَ فِئَةٌ مُنَافِقَةٌ، يُظْهِرُونَ لِلنَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ الإِسْلامَ، لِيَأْمَنُوا بِذَلِكَ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ، وَيُصَانِعُونَ الكُفَّارَ فِي البَاطِنِ، فَيَعْبُدُونَ مَعَهُمْ مَا يَعْبُدُونَ لِيَأْمَنُوا بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَهُمْ فِي البَاطِنِ مَعْ أُولَئِكَ، وَكُلَّمَا دُعُوا إلى الشِّرْكِ (الفِتْنَةِ) أَوْغَلُوا فِيهِ وَانْهَمَكُوا، وَتَحَوَّلُوا إلَيهِ أَقْبَحَ تَحوُّلٍ، فَهَؤُلاءِ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِقِتَالِهِمْ إلى أنْ يَعْتَزِلُوا القِتَالَ، وَيَقْبَلُوا بِالصُّلْحِ وَالمُهَادَنَةِ، وَيُلْقُوا إلى المُسْلِمِينَ زِمَامَ المُسَالَمَةِ وَالمُهَادَنَةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِلمُؤْمِنِينَ سُلْطَاناً وَاضِحاً عَلَى قِتَالِهِمْ.
حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ- حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
سُلْطَاناً مُبِيناً- بُرْهَاناً وَاضِحاً.
يُلْقُوا إِلَيكُمْ السَّلَمَ- يُلْقُوا إلَيكُمْ زِمَامَ المُهَادَنَةِ وَالمُسَالَمَةِ.
أُرْكِسُوا فِيهَا- قُلِبُوا فِي الفِتْنَةِ أَشْنَعَ قَلْبٍ.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}
{خَطَئاً} {مِّيثَاقٌ}
(92)- يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِن، وَلا يَجُوزُ لَهُ، أَنْ يَقْتُلَ أخَاهُ المُؤْمِنَ مُتَعَمِّداً، لأنَّ الإِيمَانَ يَمْنَعُهُ مِنِ اجْتِراحِ هَذِهِ الكَبِيرَةِ، لَكِنْ قَدْ يَقَعُ القَتْلُ مِنْهُ عَنْ خَطأ دُونَ قَصْدِ إِزْهَاقِ الرُّوحِ، وَقَدْ يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ أَيْضاً عَن تَهَاوُنٍ أَوْ عَدَمِ عِنَايَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ... فَإِذا قَتَلَ مُؤْمِنٌ مُؤْمِناً خَطَأ، كَأنْ أَرَادَ رَمْيَ صَيْدٍ فَأَصَابَ شَخْصاً فَقَتَلَهُ فَحُكْمُهُ كَالآتِي:
- إذا قَتَلَ المُؤْمِنُ مُؤْمِناً خَطَأً فَعَلَيهِ أَنْ يَدْفَعَ الدِيَةَ إلَى أَهْلِ القَتِيلِ، إلا أنْ يَعْفُوَ عَنْهُ هَؤُلاءِ، وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيهِ بِهَا، وَعَلَيهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً.
- إذَا كَانَ المَقْتُولُ مُؤْمِناً وَلَكِنَّهُ مِنْ قَوْمٍ أَعْدَاءٍ، فَعَلَى القَاتِلِ أنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَفَّارَةَ عَمَلِهِ، وَلا تُدْفَعُ لأَهْلِهِ دِيَةٌ لِكَيْلا يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ.
- إذَا كَانَ المَقْتُولُ مُؤْمِناً مِنْ قَومٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِ القَاتِلِ مِيثَاقٌ، وَعَهْدٌ عَلَى عَدَمِ القِتَالِ، فَعَلَيهِ أَنْ يَدْفَعَ إليهِم الدِيَةَ، وَعَلَيهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً.
فَإذا لَمْ يَجِدِ القَاتِلُ الدِيَةَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِ قِيمَتِهَا، أَوْ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ إِيجَادَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ يَشْتَرِيها.. فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرِينِ مُتَتَابِعَيْنِ، لا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا إِفْطَارٌ بِدُونِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنْ أَفْطَرَ بِدُونِ عُذْرٍ كَانَ مَا صَامَهُ قَبْلاً بَاطِلاً، وَعَلَيهِ أنْ يُعِيدَ الصِّيَامَ مِنْ جَدِيدٍ حَتَّى يُتِمَّ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ. وَذَلِكَ تَكْفِيرٌ مِنْهُ عَنْ ذَنْبِهِ.
وَكَانَ اللهُ عَليما بِمَا يَفْعَلُهُ العِبَادُ، حَكِيماً فِي شَرْعِهِ لَهُمْ مَا يُصْلِحُهُمْ.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
{خَالِداً}
(93)- وَإذا عَرَفَ الرَّجُلُ الإِسْلامَ وَشَرَائِعِهِ، ثُمَّ قَتَلَ رَجُلاً مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً قَتْلَهُ، مُسْتَحِلاً ذَلِكَ القَتْلَ، فَجَزَاؤُهُ عِنْدَ اللهِ جَهَنَّمَ يَبْقَى مُخَلَّداً فِيهَا، وَيَلْعَنُهُ اللهُ، وَيُبْعِدُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيَجْعَلُهُ فِي النَّارِ فِي عَذَابٍ أَليمٍ.
وَلِلْفُقَهَاءِ ثَلاثَةُ آرَاءٍ فِي تَوْبَةِ قَاتِلِ المُؤْمِنِ عَمْداً:
1- ابْنُ عَبَّاسٍ وَفَرِيقٍ مِنَ السَّلَفِ- يَرَوْنَ أنَّ قَاتِلَ المُؤْمِنِ لا تَوْبَةَ لَهُ إِطْلاقاً، وَيَبْقَى فِي النَّارِ خَالِداً. وَيَسْتَنِدُونَ فِي ذَلِكَ إلى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إلا الرَّجُلَ يَمُوتُ كَافِراً، أَوْ الرَّجُلَ يَقْتُلُ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً» وَإلَى قَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أعَانَ عَلى قَتْلِ امرئٍ مُسْلِمٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ: آيس مِنْ رَحْمَةِ اللهِ».
وَإلى قَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أنَّ الثَقَلَيْنِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ لأًكَبَّهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ الجَنَّةَ عَلَى القَاتِلِ وَالآمِرِ بِهِ».
2- وَيَرَى فَرِيقٌ آخَرُ أنَّ الخُلُودَ يَعْنِي المُكْثَ الطَّوِيلَ لا الدَّوَامَ، لِظَاهِرِ النُّصُوصِ القَاطِعَةِ عَلَى أنَّ عُصَاةَ المُؤْمِنِينَ لا يَدُومُ عَذَابُهُمْ. وَمَا فِي الآيَةِ إِخْبَارٌ مِنَ اللهِ أنَّ جَزَاءَهُ ذَلِكَ، لا أنَّهُ يَجْزِيهِ بِذَلِكَ حَتْماً، كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} فَلَوْ كَانَ المُرَادُ أنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْزِي كُلَّ سَيِّئَةٍ بِمْثِلِهَا لَعَارَضَهُ قَوْلُهُ جَلَّ شَأنُهُ: {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} فَالمُرَادُ بِذَلِكَ أنَّ هَذا هُوَ جَزَاؤُهُ إنْ أَرَادَ اللهُ مُجَازَاتَهُ.
3- وَيَرى فَرِيقٌ ثَالِثٌ أنَّ حُكْمَ الآيَةِ يَتَعَلَّقُ بِالقَاتِلِ المُسْتَحِلِّ لِلْقَتْلِ، وَحُكْمُهُ مِمَّا لا شَكَّ فِيهِ.
وَقَدْ فَسَّرَ عكْرَمَةُ وَابْنُ جُرَيجٍ (مُتَعَمِّداً) ب (مُسْتَحِلاً) فِي الآيَةِ.